الثلاثاء، 14 أبريل 2009



للباحث الاثرى صلاح محمد على الشهيربصلاح ابو شنب
( الحلقة الرابعــــــــــــة )


كانت مدينة الاسكندرية القديمه قد خططت تخطيطا هندسيا سهلا على طريقة تخطيط المدن اليونانيه ، حيث قام المهندس الذى عهد اليه بتخطيطها كرقعة الشطرنج وهى تتألف من شوارع طوليه مستقيمه تقطعها شوارع عرضيه مستقيمة ايضا ، ومن بين هذه الشوارع هناك شارعان رئيسيان كبيران ، كانا هما اكبر شارعين فى المدينة وكان كل شارع يحمل رقما من ارقام الابجديه الاغريقيه مضافا اليه اسم ملكة من الملوك ، وكان الشارع الرئيسى الطولى ويسمى الشارع الكانوبى وهو يمتد من شرق المدينة الى غربها ويتقاطع مع الشارع الرئيسى العرضى الذى كان يسمى عندئذ (شارع السوما ) ، أى شارع المقابر الملكيه .
وأقيم حول المدينة سور عظيم ضخم عليه ابراج قوية ومتينه على مسافات متقاربه وكان هذا السور يسير شمالا بحذاء الشاطىء من رأس لوخياس ( السلسلة حاليا ) حتى ميناء ( اينوستوس) غرب المدينة ، ثم ينحنى جنوبا مع ترعة الماء العذب الى اقصى الجنوب حيث ينحنى مرة اخرى ليصبح عمود دقلديانوس خارجه ويسير بعد ذلك جنوبا متجها الى الشرق حتى يقابل رأس لوخياس ثانيا عند الجنوب ، وبعد ذلك يتجه شمالا ليلتقى ببدايته عند رأس لوخياس كما بدأ أول مرة ( انظر الخريطه ) . ومن خلال ذلك نرى كأن المدينة كانت محجوبة بواسطة هذا السور سالف الذكر عن البحر شمالا وعن البحيرة جنوبا وعن القاهرة شرقا وعن الغرب والبحر غربا الامر الذى ادى الى بناء اربعة بوابات رئيسيه للمدينة هى الابواب الابع الكبيرة وهى كالاتى :
- باب الشرق ( شرق المدينة ) ومازال يسمى بهذا الاسم حتى الان مع تحريف بسيط حيث يقال له باب شرقى .
- باب الغرب ( غرب المدينة )
- باب الجنوب ( جنوب المدينة ) ويسمى حتى الان بباب سدره.
- باب البحر ( شمال المدينة ) وسمى ايضا باب بونابرت أو
- باب نابليون بسبب دخول نابليون وجيوشه من خلاله .
وكان اهالى الاسكندرية وغيرهم من الناس يدخلون ويخرجون من والى المدينة عبر هذه البوابات ، وكانت تغلق بالليل وتفتح بالنهار.

الشارعـــان الرئيسيان وعلاقتهمـــــــا
بقبر الاسكندر والابواب الاربعة

(( من خلال ابحاثى وجدت أن هناك علاقه كبيرة تربط بين أبواب المدينة القديمه، وقبر الاسكندر والشارعين الرئيسيين والحيوية الاقتصاديه للمدينة))
فقد ثبت لى من خلال ما قمت به من أبحاث علمية أن المهندس الذى قام بتخطيط المدينة جعل الشارع الرئيسى الطولى يجرى شمال المدينة وبطولها وجعله هو الرابط الرئيسى الذى يربط باب الشرق بباب الغرب ، أى يربط شرق المدينة بغربها عن طريق ما يسمى بالشارع الكانوبى ، لاحظ الخرائط المرفقه .
كذلك جعل الشارع العرضى الرئيسى ( السوما) يجرى غرب المدينة وبعرضها وجعله هو الرابط الرئيسى الذى يربط باب البحر أو باب الشمال بباب الجنوب أو باب سدره أى يربط الميناء البحرى شمالا بالمرفأ النهرى جنوبا . والمعروف أن المرفأ النهرى كان عند باب الجنوب ( باب سدره حاليا ) ونتيجه لذلك نجد أن تقاطع اكبر شارعين فى المدينة القديمه كانا يشكلان اكبر ميدان بها وهو الذى كان يسمى الميدان الكبير ( MERON PEDION) وفيه اقيم ضريـــح الاسكنــدر الاكبـــــر.
كذلك كانت هناك علاقه وطيدة وشديدة بين تصميم هذه الشارعين وطبوغرافيه المدينة كلها ، وانى اعتقد ان المهندس المذكور لاحظ أن خليج الميناء الكبير ( MAGNOS PORTOS) ينحرف نحو الشمال الشرقى وان الجهة الغربية للميناء الكبير هى اكثر صلاحية لرسو السفن التجاريه عن الناحية الشرقيه ، وجزيرة فاروس التى سيكون لها بعد تخطيط المدينة القديمه أهمية بالغة وعظمى تشكيل مينائين كبيرين يقعان جميعا فى اقصى شمال غرب المدينة .
وقد ادى هذا الامر بل حتم تخطيط شارع يسمى الهبتاستا د ( أى السبعة فراسخ ) ليربط بين جزيرة فاروس الواقعة فى البحر وبين المدينة حيث يشكل لسانا طويلا ضاربا فى الماء مشكلا بوجوده مينائين كبيرين هما الميناء الشرقى والميناء الغربى .
وهكذا يصبح الهبتاستاد أو الهبتاستاديوم يشكل من جانبه الشرقى رصيفا لرسو السفن الاتيه الى الاسكندرية محملة بالبضائع الواردة الى الميناء . ومن البديهى ان العمليات التجاريه والمفاوضات فى الاشغال وكذلك عمليات الشحن والتفريغ كانت تتم فى هذا المكان أو بالقرب منه . وقد حتم هذا الوضع الاستيراتيجى أو لنقول العرضى للمدينة يبدا من نقطة باب البحر وينتهى عند نقطه باب المرفأ فى استقامه واحدة وهذا الطريق الرابط بين باب البحر وباب الطبوغرافى الجديد الزام المصممين على جعل الطريق الرئيسى المرفأ هو الذى كان يسمى بشارع السوما أو السيما حسبما ذكر ، وكانت البضائع الاتيه من القاهرة مثلا أو لنقل جنوب مصر والمراد تصديرها الى بلاد الفرنجه تأتى عبر البحيرة ثم تنقل فوق العربات التى تجهرها الخيول أو البغال أو حتى الحمير لتخرج من المرفأ النهرى حيث تسلك طريق السوما الذى سوف ينتهى بها الى باب البحر لكى تشحن فوق أظهر السفن المتجهة الى أوروبا . والعكس بالعكس ، وهكذا كان طريق السوما يشكل الرابط التجارى الحيوى فيما بين شمال المدينة وجنوبها .
(( ومما ذكرنا يتضح أن المنطقه الغربيه بطولها أى بشمالها وجنوبها هى القلب الحيوى النابض بالحياة الاقتصاديه للاسكندرية القديمه ، وذلك دون شك يجعل المنطقه الشماليه الغربيه والجنوبيه الغربيه اكثر مناطق المدينة ازدحاما بالسكان ، ومن تبرز أهميتها الكبرى)) .
ومن هنا ايضا استطيع ان أدحض الاقوال الداعيه الى ان الحى اللاتينى أو منطقة مرور شارع النبى دانيال هما اقرب المناطق التى يمكن أن يكون قبر الاسكندر موجود بها ، وهذا خطأ .
كان الداخل الى الاسكندرية القديمه والخارج منها يتحتم عليه المرور من هذا الشارع ( الشارع العرضى ) تماما مثل الاختلاف الذى نشأ حول اختيار مكان المسلة المصرية التى نقلت الى لندن فى العهد البائد حيث اختلفت الارآء حول المكان الذى يمكن نصبها فيه ، وفى نهاية الامر خضعوا للرأى الذى نادى بوضعها على نهر التيمس ليراها الداخل الى لندن والخارج منها على السواء .
(( وهكذا كانت الصورة كما وضحناها ورسمناها فى خيال القراء وفوق تلك السطور مبرهنة بالمنطق والدلائل الطبوغرافيه المؤكدة والتى ما تزال موجودة حتى وقتنا هذا . وهكذا يمكن للقارىء أن يتخيل أن وضع قبر الاسكندر ...
وضع قبر الاسكندر فى الميدان الكبير الذى تشكل من تقاطع الشارعين الرئيسيين للاسكندرية وهما شارع السوما والشارع الكانوبى وفيه ايضا اقيم المعبد الجنائزى الذى ضم الضريح ومكتبة لحفظ الوثائق الهامة ، وضع فى الميدان الكبير الذى لم يكن فى وسط المدينة كما زعم الكثيرين ، وانما المدان الكبير الذى تشكل من تقاطع الشارعين الرئيسيين كان اقرب الى الغرب منه الى الشرق ، ولذلك فانى اشجع القول التاريخى القائل بأن الميدان الكبير كان يقع فى سرة المدينة ، والسرة تقع فى جسم الانسان بنسبة واحد الى اثنين أى هى أقرب الى الرأس منها الى القدمين .. اليس كذلك ؟ وسرة المدينة ليس منتصفها بل هى اقرب الى الغرب منها الى الشرق وهذا هو الصحيح ، وشارع النبى دانيال الذى وضع منذ القدم وبالاحرى منذ قيام محمود الفلكى بالبحث عن القبر وحتى وقتنا هذا على مائدة التشريح وشرح حتى تهلهل لان الاوصاف الحقيقيه لشارع السوما لاتنطبق عليه مطلقا . وهنا يجدر بى الاشارة الى ما سبق لى أن اكدته مرارا وتكرار بأن الكثيرين قد تبعوا الكثيرين فى التنقيب فى هذا الشارع دول التمحيص والتدقيق لمعرفة أن كانت الاوصاف المعطاة تتطابق من الواقع من عدمه وهذا لم يحدث مطلقا .
ومن البديهى أن تصبح هذه المنطقه اكثر حيوية واهمية من الحى الشرقى نفسه الذى كان هو حى الطبقة الراقيه فى الاسكندرية ، ومن الغريب أن هذه المنطقه على اهميتها لم تأخذ الاهتمام الذى تستحقه حتى الان سواء كان ذلك من ناحية اعادة التخطيط أو التجميل – أى الا هتمام بالشكل الجمالى العام لها ، وما تزال حتى هذه اللحظة تزخر بالمبانى العتيقه جدا والمتهالكه والايلة للسقوط من تلقاء نفسها دون نظرة تذكر ، ومن الجدير بالذكر ايضا ان أغلب تلك المبانى الطاعنة فى العمر والضاربة فى القدم تحوى أسفل منها كنوزا ، اما مخفية عن عمد أو عن جهل بوجودها ، وقد سمعت ذلك مرارا وتكرارا من اهالى المنطقة الذين يؤكدون ذلك .
وهكذا وضعت المقبرة فى وسط الميدان الكبير بحيث يرى المشهد القادمون من باب البحر والاتون من باب البحيرة على السواء . ، ولا يمنع ذلك القادمين من باب رشيد أو ما اتفق على تسميته بباب الشرق الذى هو باب شرقى حاليا من رؤية الطريق المستقيمه التى هى الطريق الكانوبيه وهى طريق طويلة وقد سمى بالطريق الكانوبى نسبة الى منطقة كانوب فى حى ابى قير الحالى .


(الحلقه الثانيه )
من كتاب هنا قبر الاسكندر للباحث الاثرى
صلاح محمد على الشهير بصلاح


مــــن هـــو الاسكنـــــدر ?

[IMG][/IMG]
صورة عملة الاسكندر الاكبرمحفوظه بالمتحف اليونانى الرومانى بالاسكندرية
ويظهر بها القرنان واضحان فى الخوذة التى كان يرتديها فوق رأسه ومن هنا
سمى بالاسكندر ذى القرنيـــــــــــــــن
الاسكندر الاكبر هو احد الاربعة القواد الذين ادارو دفة التاريخ دورة كاملة ، فأضافوا اليها واخذوا منها لينتجوا للعالم ثمرة جديدة من العلوم والفنون والاداب .
انه احد عباقرة التاريخ النادرين الذين اتى بهم الزمان من أجل البشريه ، وكان موت الاسكندر فى بابل نكبة على تلك الامبراطورية الكبيرة الواسعة الاطراف حيث تفتت من بعده بين قواده الاربعة الكبار ودارت بينهم الحروب وبعدوا عن الهدف الذى كان يعمل الاسكندر من اجله وهو وحدة بنى البشر ، واختلفت المؤرخون فى تحديد مكان دفنه ، فحددوا عدة بلدان شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، لكن الثابت لدينا أن جثمان الاسكندر احضر بعد تحنيطه الى الاسكندرية وافرد بطلميوس ضريحا بنى له .
وفى القرون الاولى بعد الميلاد كان يتردد ذكر هذا القبر دائما لما كان لهمن اهمية كبرى عند السكندريين والاجانب حيث كانوا يعتبرونه ابنا للاله آمون ، وقد ذكر كثير من المؤرخين ان اهل الاسكندرية كانوا يحجون الى هذا القبر العظيم ، لكنه ما لبث أن اهمل بعد ذلك ولم يتحدث عنه احد الا الحين بعد الحين حديثا عابرا.
وقد كرست جهودى فى عملية البحث سنوات ، وتعمقت فيها حتى توصلت الى نتائج هامه عن مكان المقبرة ، وهى نتائج علمية بحته بناء على عرض أرآء ونقد نظريات واثبات أخرى ودراسة لطبوغرافية المنطقة مع الشواهد العينيه التى لازالت موجودة حتى الان ، وجمعت فى بحثى هذا كثيرا من الروايات التاريخيه الثابته علميا وغير الثابته والعلميه الموثوق فيها وغير الموثوق فيها لاثبات صحة الاقوال أو تضاربها ، وتعرضت الى اقوال المؤرخين بالبحث الدقيق والى البعض الاخر بالنقد حتى كانت نتائج لها قيمتها العلمية.
هـــــــــل الاسكنــدر مدفــون فى الاسكندريه ؟


[IMG][/IMG]
صورة لخارطه شوارع الاسكندرية عام 1945 م وقد حددت فيها
المكان الواجب الحفر فيه للكشف عن المقبرة والمعبد الجنائزى

لكى نبنى بحثنا على أساس سليم ، يجب ان نصل اولا الى أن الاسكندر مدفون بمدينة الاسكندرية ، ولا زال بها حتى الآن .
فقد كثرت الروايات واختلفت الاحاديث والحكايات حول قصة ومكان دفن الملك الامبراطور الشاب فاتح الدول والبلدان – فقالوا
لقد دفن فى عاصمة مقدونيا ، ومنهم من قال صيدا بسوريا وقيل منف ، وقيل واحة آمون حيث يوجد معبد الاله آمون الذى توج فيه على الطريقه الفرعونيه . أما الزيارة الشهيرة التى قام بها الاسكندر لمعبد آمون فهى زيارة قام بها خصيصا لهذا المعبد لسبب غامض جدا لم يستطع أن يعلمه اقرب المقربين الى هذا البطل . وقد كانت هذه الزيارة يكتنفها الغموض وتحيطها الاسرار. وقالوا فى الاسكندرية التى سميت بأسمه وان الاسكندر بعد موته فى بابل انشغل قواده بتقسيم امبراطوريته الواسعة وتركوا الجثمان حتى كاد يتعفن ثم احضروا – فيما يقال – الكهنة من مصر لتحنيط الجثمان وبعد ذلك اخذه برديكاس Perdicas فى تابوته الذى صنع
خصيصا لذلك وكان هذا التابوت من الذهب الخالص وأراد أن يستولى فى طريقه على مصر ، ومن ثم خرج اليه بطلميوس واحضر الجثمان فى تابوته الذهبى بعد مقتل برديكاس بأيدى رجال عسكره ، ويقال أن بطلميوس نهب ما فى القبر واستبدل التابوت الذهبى بآخر زجاجى . أما الدلائل التى تشير الى وجود القبر بالاسكندرية فقد ذكرها كثير من المؤرخين الموثوق فيهم ، بل ان منهم من جاء خصيصا لزيارة هذا القبر فى الاسكندرية ولولا وجوده فعلا فى الاسكندرية لما حضر احد لزيارته . والمسعودى وابن عبد الحكم يحدثونا عن قبر ذى القرنين وبعضهم زاره فى القرن السادس عشر مثل ليون الافريقى الذى أخبرنا أنه شاهد جامع الاسكندر الملك النبى وكان المسلمون يحجون اليه . وكذا يوليوس قيصر الذى زار المقبرة حين دخل الاسكندرية ، والامبراطور كركالا ، وأغسطس وغيرهما .
(( اذن فالمقبرة فى الاسكندرية ، وهذا هو الواضح وأن مصر لتعتز بأن يكون جثمان هذا الامبراطور الشاب تحتضنه أرضها الطيبه )) .
ولكن أين القبر ؟ وأين مكانه الآن ؟
-ذلك سيكون موضوع بحثنا هذا ........

أيـن تقام النصب التذكارية
والآثار الهامــــــه ؟

[IMG][IMG]
صورة للاسكندر الاكبر يمتطى فرسه

كانت الاسكندرية القديمه تمتلىء بالنصب التذكارية والاثار الهامه وكان الشائع اقامة هذه النصب التذكارية والاثار الهامة عند مداخل المدن أو مخارجها أو بالقرب منها ، وفى الاماكن الاكثر حيوية وحركة حيث كان يتحتم مرور عدد كبير من الناس فى هذه الاماكن سواء كانوا من أبناء الاسكندرية أو من الاجانب . ولا تختلف مداخل المدن عن طريق البحر عنها عن طريق البر ، وهذا يمكن ادراكه ممثلا فى ميناء الاسكندرية الحالى فبعد تحويل ميناء الاسكندرية القديم ( الميناء الشرقى ) الذى كان هو الميناء الرئيسى أيام البطالمة الى الميناء الغربى الحالى وبعد بناء المحطة البحرية الكبرى فى عهد ثورتنا المباركه ، نجد أن بداية الشارع المسمى ( طريق النصر ) عند مدخل هذا الميناء – تفرض نفسها تدريجيا لتكون اعظم ميدان فى الاسكندرية العصرية .
(( وسوف نرى من ذلك أن استيراتيجيه مناطق معينة فى المدن تحتم عمل هذه الاشياء ( الاثار) والنصب بغض النظر عن قيمة المنطقة او الحى من الناحية الاجتماعيه )) .
ولما كان هذا المكان ( الميناء الغربى الحالى ) مدخله غير فسيح بحيث لا يتسع لا قامة نصب تذكارى ما ، فقد رؤى عمل شىء آخر ، فنجد ان حكومة جمهورية مصر المظفرة قد أخذت على عاتقها بناء اكبر العمائر وأفهمها واحدثها على جانبى هذا الطريق . كذا قامت الحكومة المباركه ، ببناء أول مسجد من نوعه فى الاسكندرية عند مدخل الميناء المذكور أمام المحطه سالفة الذكر ، ترتفع فوقه مئذنتان كبيرتان على الرغم من أن هذا الحى كان من أقل احياء الاسكندرية الشعبية شأنا وشكلا.
(( وهكـــــــذا ، وبعد أن بينت أن النصب التذكاريةوالميادين الكبرى هى التى تختارأماكن اقامتها دون النظر الى قيمة هذه المناطق اجتماعيا مفضلة أهميتها الاستيراتيجيه عن أى شىء آخر))
هذا الامر يقودنا بديهيا الى أهمية الاماكن التى سوف نذكرها فى هذا البحث عند التعرض لهذه الاماكن وان القاء نظرة واحدة على الخرائط المرفقه كفيلة بأن تبين مدى أهمية النقطه التى اخترناها لتكون مكانا للحفائر ، وسوف يتضح ذلك عند الحديث عنه .
وبعد مقارنة هذه الخرائط يمكننا أن نتصور مدى اهمية كل المنطقه حين نضع نصب أعيننا اعتبار الاوصاف التى وضعها أغلب الموثوق فيهم من المؤرخين مثل : استرابون ، اشيل تاتيوس ، بتلر ، ليون الافريقى ، ابن عبد الحكم والمسعودى ، وصاحب كتاب معجم البلدان يا قوت الحموى ، ومحمود الفلكى وغيرهم كثيرون .
(( وانى لا اكون مبالغا لو قلت أن اهتمام المؤرخين بالوصف الشامل لمدينة الاسكندرية القديمه دون التوجه لعمل وصف مدقق عن قبر الاسكندر فى بحث منفرد قائم بذاته ادى الى اهمام ذاك الاثر النادر بالنسبة للكتاب اللاحقين وتسببوا فى الاكتفاء بذكره ذكرا مبهما.
ولو أنالأولين كانوا قد فعلوا ذلك لتبعهم الاخرون ، ولما وجدنا فى عملية البحث عن هذا الاثر العظيم مشقة حاليا . والصعاب التى كانت تقابلنى من حين الى آخر ، انما ترجع فى الحقيقه الى ان كل مؤرخ أخذ عن سابقه نصوصا نقلت كما هى ، بل انى من خلال بحثى هذا صافتنى فقرات كاملة منقولة من مؤرخ الى آخر بدون أى أساس من الصحة . وانى اسأل الله التوفيق فيما ذهبت اليه من نقاط هامه أرجو من الله أن تكون قد أدت الغرض المنشود .
الدلائل والبراهين التى يستنتج منها وجود تلك
الآثــار فى المنطقة الجنوبيه الغربيــــه
أولا : بالنسبة للمنار PHAROS
[IMG][/IMG]
صورة لقلعة قايتاباى وهى تحتل الان المكان
الذىكانت تحتله منارة الاسكندرية على عهد
الاسكندر الاكبر ، وهى مقامه فوق جزيـــرة
فـــــــــاروس

ان كلمة Pharos هى كلمة يونانيه يقال انها من اصل فرعونى بحت كانت تطلق على قصر فرعون مصر ثم حرفت فيما بعد الى فارو ثم اضيف اليها حرف ال S ( أس ) الذى يعنى التنوين فى اللغة اليونانيه فأصبحت ( فاروس) وأطلقت على المنار الذى كان فوق الجزيرة ، ومن ثم سميت جزيرة فاروس .
وهذا المنار مشيد على صخرة كبيرة غربى رأس لوخياس ويروى محمود الفلكى مستندا الى استرابون وغيره أن موقع المنار تحتله الآن القلعة المسماة بقلعة ( قايتاباى) والتى لا زالت حتى الان وقد حولت الى متحف بحرى ، وموقع الجزيرة هو شمال غرب الاسكندرية .
ثانيا : بالنسبة للعمود : Pompee

[IMG][/IMG]
صورة لعمود السوارى وهومن اشهر الاعمدة
فى الاسكندرية على الاطلاق والى جانبــــــــه
تمثال لابى الهول يمثل الحارس للعامــــــــــــود
قيل انه اقيم فى منطقه كانت محط الانظار فى الزمن القديم وخاصه فى العصر اليونانى ( ولنضع ثلاث خطوط حمراء تحت كلمة – محط الأنظــار - ) وقد اشتهر ذاك التل المشيد عليه العمود منذ أيام الاسكندر الاكبر بأنه أكروبوليس الاسكندرية – والمكان الذى تقوم فيه أهم اثارها ومعابدها ( وهنا ايضا نضع خطوط حمراء تحت عبارة ( أهم اثارها ومعابدها ) ، وهذا العمود باق لليوم والمعروف خطأ بعمود بومبى ، والشهير منذ أيام العرب بعمود السوارى ، وموقعه أيضا جنوب غرب الاسكندرية ، ولنضع ثلاث خطوط حمراء تحت عبارة ( جنوب غرب الاسكندريه ) .
ثالثا : بالنسبة للسرابيوم Serakpeum
يحدثنا استرابون فيقول :
(( يوجد السرابيوم داخل الترعه ، كما توجد معابد مقدسة اخرى )) .
ويقول بتلر فى كتاب تاريخ الاسكندرية :
(( كان السرابيوم شرق الملعب )) .
اما محمود الفلكى فيحدد موقعه جنوب الاسكندرية ولنضع خطوطا حمراء ايضا تحت عبارة (جنوب الاسكندريه ) فى نهاية الشارع المقاطع راجع خريطه محمود باشا الفلكى .
وبهذه الشهادات الثلاث فان موقع السرابيوم بغير شك هو فى الجهة الجنوبيه الغربيه .
رابعا : بالنسبة للملعب Gamnaseum
يقول استرابون :
(( تمتلىء الاسكندرية عموما بالمبانى العامه والمقدسه وأجملها ملعب الجمباز ، حيث توجد الردهات المسقوفه التى يبلغ طولها اكثر من ( استاد) وكلمة استاد هى وحدة قياس يونانيه ، وفى الوسط يوجد مقر التحكيم والحدائق .
ويقول استرابون ايضا فى موضع آخر :
(( يوجد السرابيون داخل الترعه كما توجد أماكن مقدسه اخرى ، شيدت قديما ، هجرت تقريبا منذ شيدت معابد نكروبوليس . .. ثم يستكمل القول (( فهناك كان المسرح الدائرى والملعب ، وهناك كانت تمارس الالعاب الرياضيه التى تقام أعيادها مرة كل خمس سنوات )) .
وفى احدى الخرائط المصورة التى وضعتها الحملة الفرنسيه فى هذا الخصوص نجد ما يؤيد هذا القول ، حيث حددت مكان الملعب فى الناحية الجنوبيه الغربيه بجوار عمود السوارى ، وتلك الخريطه هى من خرائط العام 1798 م .
وجاء فى كتاب مصر فى عهد البطالسه بالصفحة رقم 330 ما يلى:
(( أما مضمار سباق الخيل Hippodromos م وميدان الالعاب Stadiumفكانا يقعان فى أطراف المدينة أولهما فى الناحية الشرقيه وثانيهما فى الناحية الجنوبيه الغربيه فى حى راكوتيس ( راقوده) الذى أقيم فيه معبد السرابيوم حيث يوجد الآن العمود المعروف خطأ بعمود بومبى )) .
ويقول صاحب كتاب معجم البلدان يا قوت الحموى فى الصفحة رقم 256 والصفحة 257 : (( كانت تلك الجهة تشمل على البانيوم والجمناسيوم أى محل المصارعه المحتوى على عظام الاسكندر الاكبر التى كانت موضوعه فى اناء منذهبوعلى قبور البطالسه وكان فيها ايضا الموزيوم أى محل المعارف والادآب والمكتبه والتياتر)) .
وفى موضع آخر يقول الحموى :
(( وكان هيكل قيصريوم قرب العمود المسمى بمسلة فرعون ، وكان بالقرب من الميناء الشرقى ، وهو المكان الذى يجتمع فيه التجار للمفاوضه فى الاشغال ، وكان فى الجهة الشرقيه المحكمة والمدافن وبيوت التحنيط )) .
وعلى الرغم من أن هاتين الفقرتين لصاحب كتاب معجم البلدان ليستا من القوة بحيث استطيع الاعتماد عليهما الا انهما يحويان فى طياتهما تأكيدا غير مباشر بأن تلك الاثار كانت فى الناحية الجنوبيه الغربيه لان العمود المسمى بمسلة فرعون هو عمود السوارى الذى يعتقد البعض أنه من أيام الفراعنه وأن المصريين هم الذين بنوه ليقدموه هديه تذكارية الى الامبراطور الرومانى دقلديانوس ، وهذا العمود معروف أنه فى الجهة الجنوبيه الغربيه لمدينة الاسكندرية كما سبق أن قلنا . كما أن المكان الذى يجتمع فيه التجار للمفاوضه فى الاشغال الذى اشار اليه ياقوت الحموى بأن التجار يجتمعون فيه للمفاوضه فى الاعمال التجاريه ، حيث قال انه فى الجهة الغربيه – على انه لم يقل ذلك بشكل مباشر – وانما قال : (( أن المحكمة والمدافن كانتا فى الجهة الشرقيه وكذا بيوت التحنيط )) ، والمعروف ان الجهة الشرقيه تقابلها فى الترتيب الجهة الغربيه فنحن نقول شرقا وغربا ، ولا نقول شرقا وشمالا مثلا ، وهذا يدلنا على أن هيكل قيصر يوم فى رأى ياقوت الحموى كان فى الجهة الغربيه من المدينة بجوار المكان الذى كان يجتمع فيه التجار للمفاوضه فى الاشغال ، والمعروف لدينا أن سوق تجار الاسكندرية كان يقع عند بداية الهبتاستاديوم ، وقد قال بعض الباحثين أن
الهبتاستاديوم يتفق وشارع الميدان الحالى ، وهذه المنطقه هى عصب تجمع اكبر تجار الاسكندرية حتى وقتنا هذا وهى المنطقه التى تتفق الان وساحة جامع الشيخ ومسجد ابو شوشه وبداية شارع السكة الجديدة ثم ميدان شارع النصر الذى عند فندق آمون الحالى الذى يبدأ من عنده شارع الميدان وهى التى تمثل المنطقه التجارية الحية منذ الاف السنين وحتى وقتنا هذا . وهذا دليل مادى حقيقى يؤكد حقيقة ما ذهبنا اليه بخصوص أهمية المنطقه الغربيه شمالها وجنوبها على السواء .
خامسا : بالنسبة للبانيوم Paneum يقول محمود الفلكى :
(( أما عن البانيوم Paneum فليست لدى أية معلومات ولكنى اعتقد أن موضعه كان فوق كوم الدكه أعلى تل بالمدينه القديمه ومعنى كوم الدكه يفيد باللغة العربيه معنى تل به ( دكك ) للجلوس ونحن نجد أن كلمة ( بانيوم Paneum ) عنى رؤيه كل شىء أو المنظر الجميل ، ولا بد أنه كانت هناك مقاعد ( دكك) يمكن أن تكون لها علاقه بالبانيوم ، ولعل ( كوم الناضورة) باللغة العامية تفيد معنى التل الخاص بالرؤيه لكن هذا التل المطل على الميناء كان كفيلا بأن يجعل استرابون يتحدث عنه ضمن المنشئآت التى عددها هناك )) .
ويقول استرابون :
(( وهنا أيضا يوجد البانيوم Paneum وهو تل صناعى له شكل النحلة التى يلعب بها الاطفال أو صخرة منحدرة وهناك سلم حلزونى يقود الى القمة بحيث تشاهد المدينة كلها بجميع نواحيها من ذلك المرتفع المشرف عليها )) . ولما كانت هذه الفقرة لاسترابون معطوفه على سابقتها كما يلى : (( تمتلىء الاسكندرية بالمبانى العامة والمقدسه ، وأجملها ملعب الجمباز حيث توجد الردهات المسقوفه التى يبلغ طولها اكثر من استاد وفى الوسط يوجد مقر التحكيم والحدائق ، وهنا ايضا يوجد البانيوم وهو تل صناعى له شكل النحلة .... الخ كما سبق أن بينا .
(( وهذا العطف اللغوى ، انما يرجع الى وحدة المكان ولما كنا قد سبق أن بينا أن موقع الملعب بالدليل والبرهان فى الجهة الجنوبيه الغربيه فان البانيوم هو أيضا فى نفس هذه الجهة )) .

اكتشاف مقبرة الاسكندر الاكبـــر
( الحلقه الاولــــــى)
منقــــــول
من كتاب هنا قبر الاسكندر
لمؤلفه الباحث الأثـــرى
صلا ح محمد على الشهير
بصلاح ابوشنــــــب

فكـــــــرة كانـــــت كامنــــــه
بدأت فكرة البحث تلتصق بذهنى رويدا رويدا منذ ذلك اليوم البعيد الذى كان يجلس فيه الباحث المعروف استيليو كوميتسوس الجرسون السابق بمقهى (امبريال) بميدان محطة الرمل بالاسكندرية ، امام بئر صغيرة تتدفق منها المياه من عمق قريب جدا من سطح الارض أما الباب الشمالى لمبنى غرفة الاسكندرية التجاريه وكان ذلك حوالى سنة 1960 م .
كنت فى هذا الوقت لا اتعدى الرابعة عشرة من عمرى عندما علمت بأنه يبحث عن قبر الاسكندر والناس من حوله يقولون انه متشوق لرؤية الذهب والاحجار الكريمه التى يمتلىء بها القبر.
كنت متحيرا ... كانت امامى اسئلة كثيرة فى حاجة الى ماسة الى اجابات كثيرة ايضا . على الرغم من انى فى ذلك الوقت لم اكن احيط بأنى المعلومات عن قبر الاسكندر اللهم الا القليل جدا عن الاسكندر نفسه وذلك مما تلى علينا فى المرحلة الابتدائيه وهو لا يتعدى اسمه وبلده وفتحه لمدينة الاسكندرية المسماة بأسمه .
لكن هذه الافكار وان كانت ضئيله الا انها كانت تكون عندى فكرة على ان قبر الاسكندر ذو أهمية كبرى ، ولا يمكن بحال من الاحوال أن يكون فى تلك المنطقه .
... كنت اتحدث الى نفسى حول الموضوع فأجد انه لا بد وأن يكون هناك مهندسون اكفاء خططوا لبناء تلك المقبرة وهم يعلمون تمام العلم بأنهم يخططون لبناء اعظم مقبرة فى ذلك العصر ، هى مقبرة امبراطور من أندر أباطرة اليونان فى ذاك الوقت ، فلا يمكن أن يقيمونها الا فى مكان أمين تبقى فيه للمشاهدين اكبر فترة ممكنه من الزمن محتفظه بشكلها ورونقها ، ويستبعد ان يختاروا مكانا منحرفا ـ بجوار شاطىء مثلا ـ والمعروف أن شاطىء الاسكندريه كان معزولا عن المدينة بواسطة السور.
....ومن خلال هذه الاعتبارات القليلة كنت انفى وجود المقبرة فى هذا المكان الذى يحفر فيه الباحث سالف الذكر ، فهو يحفر فى نقطه اقرب ظنى انها كانت خارج السور.
ومرت الايام تعقبها الشهور وتجمعت لتصبح سنوات ، والجرسون اليونانى ينتقل من أمام تمثال سعد زغلول الى امام مبنى غرفة الاسكندرية التجارية ناقلا معه المعاول والفؤس والحفارين ، ثم تحول الى شارع نبى الله دانيال ومنه الى منطقه كوم الدكه وكانت النتيجه موحدة .. ثم رحل الى بلاده .
وظلت الفكرة لاصقه بذهنى لا تغيب عنه الى ان جاء عام 1967 حيث اتيحت لى فرصه البحث والاطلاع ومن ثم كانت بدايه العمل .

رحلـــــــة من أجـــــــــل مقبــــرة أمبراطــــــــــــــور

بدأت الرحلة تسير قدما منذ ان التقيت بالسيد ممدوح سالم حين كان محافظ لثغر الاسكندريه المجيد حيث كان لترحيبه بالفكرة من بداياتها اكبر الاثر فى دفعى نحو الاجراءات العملية للمشروع ، وقد طلب منى سيادته مذكرة عن الموضوع .
بعد أسبوع من لقائى بسيادته ، أخطرتنى محافظة الاسكندرية تليفونيا بضرورة الذهاب الى المتحف اليونانى الرومانى لعمل مناقشه حول هذا الامر ، وفى هذه الاثناء
كانت محافظة الاسكندرية قد حولت المذكرة المختصرة والمقدمه للسيد المحافظ كطلبه ، الى المتحف اليونانى الرومانى بالاسكندرية وأوصت باجراء اللازم .
التقيت بالسيد مدير المتحف ومساعده وتم بذلك عمل محضر رسمى كان مختصرا جدا .
.. أبلغنى مدير المتحف بعد ذلك بأن على الانتظار لحين وصول الرد من المختصين بالقاهره فى هذاالشأن على ما كتبوه فى هذاالخصوص مرفقا بالموضوع .. وانتطرت سنة كاملة والرد لايصل .
... بتاريخ 5 /9/1971 نشرت جريدة المساء ملخصا عن الموضوع تحت عنوان ( يطلب عشرين جنيها لاكتشاف مقبرة الاسكندر الاكبر) قالت فيه السيدة المحرره / ناديه
يوسف ، أن فكرة البحث عن قبر الاسكندر لم تغب عن افكار ابناء الاسكندريه ويعيدها الى الاذهان هذه الايام شاب سكندرى قام بعمل دراسه علميه حول موضوع المقبرة.
..وبتاريخ 1/11/1971 نشرت جريدة السفير موضوعا لى تحت عنوان ( بحث علمى لاكتشاف مقبرة الاسكندر) حاولت فيه توضيح جوانب البحث بشكل موجز ومختصر جدا رغبة فى تعميم القضيه على مستوى كل الناس .
..وفى شهر اكتوبر عام 1971 م قدمتنى اذاعه الاسكندرية المحلية من خلال برنامج ( الفن والفكر فى الثغر) .
.. ثم التقيت بعد ذلك بالاستاذ الدكتور لطفى عبد الوهاب يحيى وهومن أعمدة التاريخ بجامعة الاسكندرية وبناء على رغبته فى متابعة البحث ، قدمت له ملخصا وافيا حول الموضوع ، وظل يناقشه معى على مراحل مختلفه فى زمن استغرق اكثر من خمس شهور . ونظرا لما وجد فى البحث من أصالة وجديه فقد ارتاح تقديرى للامور اكثر من ذى قبل.
.. وبعد ان انتهت فترة المناقشه التى استغرقت حوالى خمس شهور تفضل سيادته مشكورا بتحرير الكتابين الآتيين احدهما بعنوان ( الى من يهمه الامر) والآخر بعنوان
( السيد الاستاذ / سكرتير عام محافظة الاسكندرية وكانت الصيغة فى كلا الكتابين واحدة ونصها كالآتى :

جامعة الاسكندرية
كلية الاداب - قسم الحضـــارة
ــــــــــــ

السيدالاستاذ المهندس رفعت زعلوك
السكرتير العام المساعد ـ محافظة الاسكندرية

تقدم الى السيد / صلاح محمد على ببحث عنوانه ( تقرير عن البحث عن قبر الاسكندرالاكبر) بتاريخ 10 /1/1972 وقد عدد فى هذا البحث الاحتمالات التى تدور حول المكان الذى يظن ان قبر الاسكندر موجود به والتى ظهرت حتى الآن ، وتعرض لها بالمناقشه والنقد ، ثم عرض بعد ذلك رأيه الذى يرجح فيه وجود هذا القبر عند تقاطع شارع البيضاوى ( امتداد الحرية) بشارع الفراهدة فى الارض المحيطة بالزاوية المسماة ( زاوية سيدى اسكندر) ، وقدم الادله التى بنى عليها ترجيحه هذا .
والرأى الذى يقدمه السيد/ صلاح محمد على له قيمته دون شك ، حيث انه يستكمل مناقشه الاحتمالات المحيطة بهذا الموضوع ( موضوع مكان قبر الاسكندر) .
ولا شك أن تسهيل مهمة الحفر فى هذه المنطقه للباحث سيخدم الموضوع المطروح حتى ولو كان من قبيل تضييق دائرة الاحتمالات المحيطه به ـ وهو أمر يعتبر فى حد ذاته كسبا من الناحية العلميه .
رئيس قسم الحضارة اليونانيه والرومانيه
امضــــــــــــــــاء
د. لطفــى عبد الوهاب يحيى
23/5/1972

توجهت بالكتاب المذكور الى محافظة الاسكندرية للسيد سكرتير عام مساعد محافظة الاسكندرية مرفقا به طلب التصريح لى بالحفر على نفقتى الخاصه ، وكان احد مواطنى الاسكدرية الاصلاء قد رفع الى يد ه بالعون عازما على أن يقوم بنفسه ومن أمواله بعملية الانفاق الكلى على الحفائر بعد طلب التصريح ، وذهب فى تواضعه الى ابعد من ذلك عند اقر انه لن يأخذ مليما واحدا فى حالة فشل الحفائر وعدم كشفها عن شىء ، وانى لاشكر للسيد/ نمرود يوسف دميان فام موقفه الجدير بالذكر فى هذا المقام .
ثم اخذت تأشيرة السيد سكرتير عام محافظة الاسكندرية الخالدة ، وتوجهت بها الى السيد مدير المتحف اليونانى الرومانى وكان نصها ( السيد مدير المتحف الرومانى / برجاء الافادة بالرأى وشكرا) .
وأخبرنى السيد مدير المتحف بأنه مشغول وعلى أن آت اليه فى وقت آخر أو انه سيقوم بارسال رأيه للمحافظة فيما بعد.

وبعد محاولات بين تلغرافات وشكاوى حصلت من المتحف الرومانى على خطاب صغير جدا يتضمن أن المتحف ارسل المذكرة الاولى المقدمه من سنتين الى المسئولين بالقاهرة حيث أفادوا بأن الموضوع مرفوض لان الباحث لم يقدم الدلائل الاثريه المقنعه لعملية الكشف .
رأيت أن الرحلة بدأت تشق على وبدأ الممر يضيق شيئا فشيئا نحو السير فى اجراءات الحفر ، فتركت الامر ، لاننى لست المصرى أنا وحدى فمثلما يقع العبىء على فهو يقع على الجميع لانهم يشاركونى فى بنوة هذا الوطن العزيز ( مصر) ، فان خفى توقف أحد عن المسيرة اليوم لابد وأن يظهره النهار غدا.

زاويــــــــــــــــــة سيـــــــــــــــــــدى اسكنــــــــــــــــــــدر
والســـــــــــر الكبيــــــــر المدفــــون بأسفلهـــا

فى شهر غسطس عام 1972 تلقيت مكالمة تليفونيه تقول ( زاوية ذى القرنين قد تهدمت عن آخرها ) ............
ومن فورى ذهبت الى هناك حيث مكان الزاوية فوجدت أن البناء قد تهدم فعلا وتساوى بالارض ولسوف تعلمون فيما بعد من بين طيات هذا الكتاب العلاقه بين مسجد ذى القرنينه المشار اليه ومكان وجود قبر الاسكندر الاكبر.
ولما ذهبت لتقصى المعلومات من أهالى الحى علمت أن المسجد قد تهدم أو بالاحرى هدم بفعل فاعل فى عشية يوم الجمعة الموافق الثامن عشر من شهر اغسطس سنة 1972 م وان الاهالى جمعوا فيما يقال - تبرعات من بينهم لانشاء مسجد آخر بديل .
فى يوم 20 /8/1972 م ذهبت لالقى نظرة على الابار التى يحفرها الاهالى ( الحفارين) من اجل انشاء المسجد الجديد ففوجئت بالآتى :
أولا انه بعد ازلة ارضية المسجد الحجرية عثر على بداية لشكل دائرى يشبه الى حد كبير الفسقيه أو النافورة وهو من الحجر وله حافة سميكه مستديرة بارزه من باطن الارض فى شكل دائرة يبلغ قطرها اكثر من متر ، وهى تتوسط مساحة صحن المسجد القديم ، ولم تكن ظاهره فى اليوم السابق لرؤيتى للانقاض ، ولكنها ظهرت فى اليوم التالى ، وقد رأيت بنفسى الحفارين يفتتون الجزء البارز منها والذى يرتفع عن سطح الارض لمساواته بالتربه الحاليه التى ستكون ارضيه للمسجد الجديد.
ثانيا ان هناك بوادر ظاهرة بوضوح لأبنيه من الحجر الجيرى تقوم أسفل المسجد وتبدو واضحة من خلال اضلاع الابار التى يحفرها العمال وتسير الى اسفل مع عمق
الابار.
ثالثا ان هناك تعرجات تبدو واضحه فى سطح ارضيه المسجد القديم بعد كشف طبقة الاسمنت التى كانت معبدة بها ، حيث تبدو غير مستوية فهناك نتؤات وانخفاضات
حجرية صلبة مما يدل على أن هناك نهاية - من أعلى - لبناء آخر أسفل منه .
رابعا شاهدت بنفسى فى بادىء الامر استخراج كمية من العظام من داخل فجوة سطحية فى الارض اثناء عملية حفر الابار ، مما يدل على أن المنطقه كانت بها مقابر
للمسلمين ، وأنها كانت مهجورة خاصه بعد الفتح العربى لمدينة الاسكندرية ، وتلك العظام استخرجت من أول بئر حفر من ناحية غرب المسجد.
واثناء عودتى من هناك التقيت صدفه بالسيد وكيل وزارة الثقافه الذى كان فى زيارة لقصر ثقافه الحريه وأبلغته بالامر فطلب منى أن احرر له مذكرة بذلك وقد فعلت
ولكن لا أعلم بشىء بعد ذلك .
وأخيرا وليس بآخر لم يصبح فى مقدورى الا ان اعطى أبناء بلدى الغاليه ( الاسكندريه ) هذا الكتاب الصغير تذكارا ..............

اكتشــــــــــــــــــاف مكـــــــــــــــان وجــــــــود المقبــــــــــــــــــــرة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله رائد الانبياء وخاتم المرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين ، ومن تبعهم باحسان الى يوم الموقف العظيم .
أما بعد .........
فان مدينتنا - الاسكندرية - حفظها الله من كل عابث وعاد وجعلها مفخرة لسائر الامصار والبلاد - قد سعدت على مر العصور والازمان بعدد هائل من العظماء الافذاذ المشهود لهم بأجل الاعمال .
ومن مفاخر مدينتنا أن يكون واضع لبنتها الاولى الاسكندر بن فيليب المقدونى ذاك الامبراطور الشاب الذى يخلده التاريخ الى الابد ...
وان هذا الكتاب يحتوى على سلسلة من الدراسات لها طابعها الخاص وقد تكون الاولى من نوعها التى تتناول البحث المنفرد عن مقبرة هذا الامبراطور العظيم ، لان الاسكندر يمتاز من بين كافة العظماء بانه شخصيه فريدة رمقتها أعين العالم القديم والحديث معا ، ونظروا اليها نظرة اجلال واحترام واعجاب حتى صار الحديث عنها اسطورة محببة الى النفس .
وما احوج قراء لغتنا العربية بل قراء ثغر الاسكندرية المجيد بصفة خاصه الى دراسة علمية وافيه تتناول مكان مقبرته العظيمه التى لا تزال أملا كبيرا وخيالا يداعب أفكار الباحثين ورجال الاثار.
ولم يقف هذا البحث عند حد المقبرة بل تعداه الى البحث فى شخصيه ة الاسكندر الاكبر الخاصه ولكن فى حدود ضيقه اضطرتنى اليها الدراسة نفسها ، وكذا اضطرتنى اليها الاتهامات الظالمة التى لصقها به خصومه من الكتاب والفلاسفه الغيورين منه والمدفوعين ضده بدافع العداء والحقد والكراهية .
لذلك وجدت نفسى فى هذا المجال مضطرا الى الدفاع بحق وبأسانيد علمية عن هذه الشخصية النقيه غاية النقاء والتى لا تستحق بأى حال من الاحوال أن يحكم عليها بالطغيان والقسوة والشذوذ فى الا خلاق والتهور ، والافراط فى شرب الخمر ، بينما هى تستحق كل ثناء وتقدير من القريب والبعيد .
وأن الاسكندرية لتعتز بأن يكون مثوى الاسكندر فى ثراها الطيب